Loading...
 سخط وعدم رضا وحسرة، مشاعر تنعكس في أعين أهالي بنزرت حين تسألهم عن حال مدينتهم. فالجميع يتساءل لماذا تزداد مدينة  بهذه المقومات تهميشا سنة بعد سنة؟  أليس لهذه المدينة الساحلية حظوظا في التنمية المحلية؟ 

لا تحتاج إلى زيارة مناطقها النائية لفهم عمق الأزمة التنموية التي تشهدها المدينة، فقط تجول قليلا في شوارعها الرئيسة أو "مناطقها السياحية" وستكتشف أن أبسط الخدمات البلدية كمشاريع القرب (تنوير عمومي، تعبيد طرقات..) متردية.

نظرا لما يضمنه برنامج الاستثمار السّنوي التشاركي من جملة  المشاريع التنموية السنوية بمجال البلدية الترابي، تساءلت إذاعة السيدة أف.أم عن مدى التزام بلدية بنزرت في تكريس الديمقراطية التشاركية عند الإعداد للبرنامج السنوي  للاستثمار التّشاركي و مدى توفيقها في إنجاز مشاريعه التنموية. ووقع الاختيار على برنامج سنة 2021 كأنموذج لذلك.

منهجية تشاركية معدّلة

إثرعملية تجميعنا لمعطيات حول برنامج الإستثمار السنوي التشاركي لسنة 2021 لاحظنا غياب محاضر الجلسات التشاركية على موقع بلدية بنزرت الإلكتروني. وتعتبر هذه المحاضر من الوثائق الذي يفرض القانــون الأساســي عــدد 22 لســنة 2016 المتعلــق بالحــق فــي النفــاذ الــى المعلومــة توفيرها للعموم.

أرجعت المكلفة بالاتصال في إطار برنامج الاستثمار السّنوي التشاركي ببلدية بنزرت أسماء حطّاب سبب ذلك إلى تخلّي البلدية عن تنظيم جلسات برنامج الاستثمار السّنوي التشاركي لسنة 2021 وانتهاج إستراتيجية استثنائية  فرضتها جائحة كوفيد 19.

 وتقول أنه تقرّر اعتماد أربع طرق لتشريك المواطنين.ات في مسار إعداد البرنامج: " عملنا على توزيع صناديق اقتراع في دوائر البلدية الخمس ( بنزرت المدينة، عين مريم، جرزونة، لواتة، حشاد) إضافة إلى مشاركة استمارة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي والتّواصل مع المواطنين.ات بصفة مباشرة عبر تـأمين زيارات يومية لمختلف المناطق. علاوة على ذلك أخذنا بعين الإعتبار مقترحات المواطنين.ات بسجل الشكاوى."

بالنظر إلى منشور صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية حول إعداد برنامج الإستثمار البلدي لسنة 2021  حدّدت ملامح الإستراتيجية الاستثنائية المعتمدة ببلدية بنزرت إنطلاقا من جملة توجيهات أقِرّت على كافة بلديات الجمهورية.

 إذ دعا صندوق القروض البلديات إلى "اعتماد منهجية تشاركية معدلة نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد في علاقة بجائحة كورونا" كما جاء في نص المنشور.

عبّر البعض في هذا السياق عن استياءهم لتّخلي البلدية عن الجلسات التشاركية المباشرة، مشككين في مصداقية وشفافية آلية التصويت عبر صناديق الاقتراع التي لم تخضع عملية فرزها إلى أية مراقبة من طرف المواطنين أو المجتمع المدني.

كما يغيب الجانب التوثيقي لعملية فتح الصناديق بالصفحة الرسمية لبلدية بنزرت فيما عمدت بعض البلديات الأخرى إلى نشر فيديوهات مباشرة لإضفاء نوع من الشفافية على العملية.  

وفي نقد للإستراتيجية التواصلية المعتمدة عند انطلاق عملية الاقتراع والإعلان عن النتائج يعيب وليد سكندر أحد سكان مدينة بنزرت على البلدية عدم إعلام المتساكنين للمشاركة في الاقتراع أو نشر رابط الاستبيان بشكل كاف. ويضيف "وردتنا معلومات تفيد بإلغاء البرنامج التشاركي نظرا لقلّة الموارد".  

وأكّد الميسر في المقاربة التشاركية محمد مهدي بن هيبة لإذاعة السيدة أف.أم: "لم يتم التواصل معنا للمشاركة كميسرين كما جرت العادة في السّنوات الماضية. مضيفا:" أعتبر ماحدث سنة 2020  تشاركية شكلية".

 إن أهمية المقاربة التشاركية في إعداد برنامج الإستثمار التّشاركي التي كفلها الدستور ومجلة الجماعات المحلية تكمن في مساهمتها في الدفع بعجلة  التنمية الجهوية والمحلية عبر مشاركة المواطنين.ات ومكونات المجتمع المدني في صنع القرارات المحلية وتحديد أولويات النفقات العامة.   

يتجسد هذا الأمر بإعطاء أولوية تنفيذ المشاريع التّي تحظى بأعلى الأصوات وتم تأكيد قابلية تنفيذها حسب دراستي الجدوى والكلفة.

  وسنة 2021، وبعد فرز صناديق الاقتراع وتفريغ الاستبيان الإلكتروني، حضت ثلاثة مشاريع ترتكز في قلب مدينة بنزرت بأعلى نسبة من الأصوات. وهي: ترصيف وتجميل شارع الحبيب بورقيبة، شارع الهادي شاكر، ساحة الرائد البجاوي.

وقدّرت كلفة هذه المشاريع ب2000 ا.د حسب ما جاء في تقرير جلسة إستثنائية للمجلس البلدي المنعقدة يوم 24 ديسمير 2020.

مشاريع  معطلّة

سنة 2021 على مشارف الإنتهاء ولم تنطلق إلى الآن أشغال تنفيذ المشاريع المقرّرة لهذه السّنة.

للبحث عن أسباب ذلك توجهنا بالسّؤال أكثر من مرة الى رئيسة مصلحة الدّراسات والعضوة بخلية إعداد البرنامج  للاستثماري السنوي لكنّها رفضت الإجابة عن استفساراتنا مؤكدة أن "كل المعطيات وقع تنزيلها على موقع بلدية بنزرت الإلكتروني".

بالرجوع إلى تقرير جلسة استثنائية للمجلس البلدي المنعقدة يوم 24 ديسمير 2020 والمنزلة على موقع البلدية، اتّضح أنه لم  تنطلق  في نفس الفترة من السنة الماضية أشغال المخطط السّنوي التشاركي لسنة  2020. الأمرالذي أدّى إلى تأجيل  تنفيذ المشاريع المبرمجة بستة مناطق إلى سنة 2021. وقد وقع  تبرير ذلك بتخلي مكتب الدراسات وإلغاء إذن التّزود معه .

 

وماتزال بعض هذه المشاريع تشهد تعطيلات متواصلة فبعد التّثبت في موقع الصّفقات العمومية تبين أن بلدية بنزرت أعلنت منذ أيام عن طلبي عروض: الأول كان للمرّة الثاّنية  قصد إنجاز مشروع  تعبيد طرقات وتصريف مياه الأمطار ببلدية بنزرت ضمن برنامج سنة 2020.

 

ويتعلق الثّاني بإنجاز مشروع توسيع وإحداث شبكة التنوير العمومي بمناطق التوسع المبرمج ضمن برنامج  2020 أيضا. هذا ما يعني انّ المشروع لايزال في مرحلة الإعلان عن المنافسة لتعيين مقاولة. وهي مرحلة كان من المزمع إنجازها في شهر جوان المّاضي كما يبينه الجدول التالي:

 

 

المصدر: موقع بلدية بنزرت الإلكتروني.

 

بالتالي فإن  تأجيل بعض المشاريع  يرتبط عادة بتعطل مراحل تنفيذها المتعلقة بالتعاقد مع مكتب دراسات، وإنجاز دراسات المشروع، والتعاقد مع مقاولة. ويرجع  هذا التعطيل بالسّلب على التنمية المحلية لدوائر البلدية الخمس.

 

وحسب تفسير الخبير في الحوكمة والمقاربات التشاركية أحمد قيدارة فإن: " بلدية بنزرت تعاني من نسبة تأطير ضعيفة لأن  إمكانيات الاستثمار أقل من إمكانيات التصرف.  لا يكفي أن نضع في الميزانية أربعة أو خمسة مليارات على سبيل المثال ولا نجد القدرة لاستهلاك الاعتمادات. بالتالي نجد نسبة استهلاك الاعتمادات منحفضة."  ويفسر السبب بنقص في عدد المهندسين وتدنّي نسب التأطير.

 

ويواصل قيدارة: "تعيين مكاتب الدراسات ببلدية بنزرت يحدث بصفة متأخرة. في العرف المعمول به بالبلديات من الأجدر الإعداد المسبق لمقترحات مكاتب دراسات وبنك أفكار قبل الشروع في انجازأي مشروع".

 

أما الناشط في المجتمع المدني أيمن يزيدي فيرجع السبب إلى البيروقراطية الإدارية وعدم التزام القائم بالأشغال  بتعهداته أوعمده إلى الغش في تنفيذ المشروع. 

 

من الأسباب الأخرى المعرقلة لانجاز المشاريع المدرجة ضمن برنامج الاستثمار التّشاركي ارتباط انطلاق الأشغال بعدّة أطراف أخرى كشركة الكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وديوان التطهير...

نستحضر كمثال على ذلك  تأجيل ترصيف وتجميل شارع حسن النوري  المرتبط بشارع هادي شاكر المبرمج في سنة 2021 الى حين التنسيق مع ديوان التطهير الذي سيتدخل لتجديد شبكته المركزة بالرصيف، وفقا لتقرير جلسة استثنائية للمجلس البلدي المنعقدة يوم 24 ديسمير 2020.

 

لا مساءلة مجتمعية دون مشاركة

تمثّل الديمقراطية التشاركية آلية تخوّل للمجتمع المدني والمواطنين.ات متابعة ورصد وتقييم مسار إنجاز مشاريع برنامج الاستثمار التشاركي والاستفسار عن أسباب عدم التنفيذ أو التعطيل. وهو حق ضمنه الدستور التونسي في الفصل 139 من الباب السابع الذي ينصّ على:

 "تعتمد الجماعات المحلية آليات الديمقراطية التشاركية ومبادئ الحوكمة المفتوحة لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها طبقا لما يضبطه القانون."

ولا تتم عملية التقييم والمساءلة المجتمعية إلا عن طريق المشاركة الفعلية لأفراد المجتمع المحلي في جميع مراحل مسار برنامج الاستثمار السنوي التشاركي. وتحظى  الجلسات التّشاركية  بالمناطق بأهمية في تكريس هذه المشاركة أين يخول  للمتساكنين.ات انتخاب ممتلين عنهم.

ويوضّح الميسر محمد مهدي بن هيبة هذه العملية ويقول: "جرت العادة انتخاب الحضور لثلاثة ممثلين.ات: ممثلة عن الإناث ممثل.ة عن الشباب وآخر عن الذّكور. يبقى هؤلاء على تواصل مستمر بالبلدية لحضور الجلسات الفنية لمشاريع الدائرة التي ينتمون اليها.  وتعرض عليهم دراسات الكلفة ودراسات الجدوى وتفاصيل المشاريع المقبولة والمرفوضة مع تعليل الرفض ثم يواصلون متابعة تقدم المشاريع  في كامل مراحل إنجازها".  

 عن ذلك يشرح الخبير في الحوكمة والمقاربات التشاركية أحمد قيدارة :"هؤلاء الممثلين المنتخبين مطالبون بالبقاء على تواصل مع المتساكنين عبر إحاطتهم علما بكل معطى جديد حول تقدم انجاز المشاريع ويشير إلى تقاعس الممثلين في الاضطلاع بالدور المنوط إليهم وتقصير البلديات في خلق فرص تشريك المواطنين في صنع القرار المحلي".

لئن شهدت بلدية بنزرت تطورا تدريجيا في نسبة الحضور بجلسات برنامج الاستثمار التشاركي لا تزال المشاركة في الشّأن المحلي ضعيفة. ربما يرجع سبب ذلك إلى عدم إلمام المواطنين بهذه الخطة إذ أثبت ميثاق تحسين جودة الخدمات البلدية المنجز من طرف مؤسسة الياسمين  سنة 2019 أن 8,6 % فقط من 500 مستجوبا لهم معلومة عن وجود مخطط استثمار تشاركي في البلدية.

وأعدّ هذا الميثاق في إطار مشروع نبني.tn الممول من مبــادرة الشــراكة الأمريكيــة التونســية (MEPI). ويرمي إلى المساهمة في توفيــر مــادة علميــة لمبــادرات المســاءلة المجتمعيــة كمبدأ أساسي من مبادئ الحوكمة المحلية.

لفهم أكثر لأهداف المشروع وأثره على طرفيه الفاعلين (المواطن، بلدية بنزرت) وإسهاماته في تشريك المواطن في صنع القرار المحلي يحدّثنا أيمن يزيدي منسق مؤسسة الياسمين بنزرت عن مراحل تمخض هذه الوثيقة التقييمية " في البداية أمّنا في مؤسسة الياسمين تدريبات لفائدة مواطنين وممثلي جمعيات محلية وأعضاء المجالس المنتخبة وكوادر إدارية  بالبلدية حول اللامركزية والمسائلة المجتمعية والديمقراطية التشاركية والشفافية في اتخاذ القرارات المحلية."

ويضيف موضّحا:" تمكننا بعد ذلك من تكوين مراصد محلية عملت على القيام بمسح ميداني في عدّة بلديات من بينها بلدية بنزرت بهدف تقييم جودة الخدمات البلدية  وخطّتها الاتصالية والمنهجية المعتمدة في تنفيذ برنامج الاستثمار التّشاركي ونسبة إطلاع المتساكنين.ات حوله ومدى مشاركتهم في عملية التصويت للخروج بإجابة تجعلنا نفهم مزاج وانتظارات المواطن.

وبعد تحديد الخدمات البلدية التّي رأوها ذات أولوية تمت صياغة نتائج المسح الميداني وتطويرها من خلال ورشات نقاش حول اولوية المشاريع بحسب القطاع والجهات. من ثمة صيغت في ميثاق أمضي مع البلدية. وساهم هذا الميثاق في تعميق فهم البلدية لاحتياجات مناطقها الأولية ومشاريعها الضرورية".

ويستخلص "انطلاقا من تجربتنا هذه يمكننا القول إن المجتمع المدني هو وسيط بين المواطن والبلدية وهو ميسر للعملية الحوارية ومكرس للديمقراطية التشاركية. أما أبناء الجهة فكانوا فاعلين أساسيين عبر الأفكار التي أنتجوها  والاحتياجات التي حددوها  والرؤية النقدية التي صنعوها. فكانوا أدوات ضغط إيجابي مباشر".

يمثّل المجتمع المدني المحّرك الأساسي للمساءلة المجتمعية عن أداء الجماعات المحلية، وتقدّم المشاريع التنموية وجودة تنفيذها، وسياسة الإنفاق البلدي، باعتباره المخوّل الرئيس لانخراط  أفراد المجتمع المحلي في هذه العملية. ويتفعّل ذلك عبر تمكينهم بأدوات لازمة تجعل من كل فرد مواطنا باحثا عن المعلومة، رقيبا على السياسات العمومية المحلية، ومؤثرا بالضّغط.

 أما المسائلة المجتمعية فتجد مبرّرات أهميتها  في قدرتها على  إضفاء الشفافية والنّجاعة على العمل البلدي وتكريس الحوكمة الرشيدة والحدّ من سوء التسيير والفساد. عناصر من شأنها القضاء على التهميش وتكريس تنمية محلية مستدامة.

  بقلم: رُواء حجّي

 

المعهد العربي لحقوق الإنسان

العنوان : رقم 2، شارع 9 أفريل (عبر شارع الساحل) 1009- تونس، تونس

الهاتف : 71.483.683 (216+)

Fax : (+216) 71.483.674